((أهم الموضوعات الدولية)) تعليق: التدخل الأمريكي المباشر يصب الزيت على نار الصراع ويُبرز الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات
بكين 23 يونيو 2025 (شينخوا) في وقت يتصاعد فيه الصراع الإسرائيلي-الإيراني كثافة وحدة، لا شك أن الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية مؤخرا من شأنه أن يصب الزيت على نار هذا الصراع، ويدفع بالوضع الآخذ في التدهور يوميا نحو حافة الانهيار.
وباعتبارها لاعبا يؤدي دورا حاسما في دعم السلطات الإسرائيلية وطرفا في المفاوضات النووية مع إيران، كان من المفترض أن تستجيب الولايات المتحدة للمطالب الدولية وتحث طرفي الصراع على وقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي لحل الأزمة، تجنبا لانزلاق الوضع نحو الهاوية. إلا أنها، على النقيض من ذلك، أقدمت على شن هجمات عسكرية على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الخاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في انتهاك صارخ لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
وما يلفت الانتباه بعمق أكبر هو أن هذا التدخل الأمريكي يُضفي على الصراعات في المنطقة طابع "الحرب بالوكالة"؛ ليس فقط من خلال تزويد إسرائيل بالسلاح لمواصلة عملياتها العسكرية الجارية في غزة، بل أيضا عبر الانخراط المباشر في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية. هذا النهج المزدوج يكشف عن انحياز واضح من جانب الولايات المتحدة لأحد طرفي الصراع، الأمر الذي لا يزج فقط بمنطقة الشرق الأوسط في دوامة مفرغة من "حرب، فكراهية، فحرب"، بل يحدث كذلك خلخلة منهجية في نظام الأمن العالمي.
وفي هذه اللحظة الحاسمة والمفصلية، تكمن الأولوية القصوى في وقف إطلاق النار، إذ أن الإفراط في استخدام القوة لا يؤدي إلا إلى مزيد من تصعيد الصراع وتعقيده. وإذا ما استمر الهجوم المتبادل بين إسرائيل وإيران في التصعيد، فسوف يتكبد الطرفان خسائر فادحة، ولن تقتصر العواقب عليهما فحسب، بل ستطال المنطقة بأسرها، مع تداعيات سلبية يصعب احتواؤها، من أبرزها تهديد أمن الطاقة العالمي وتقويض الاستقرار الجيوسياسي.
لذا، فقد آن الأوان للأطراف المعنية، لاسيما الولايات المتحدة وإسرائيل، أن توقف إطلاق النار وتتجنب فتح "صندوق باندورا". كما ينبغي على المجتمع الدولي أن يدرك أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لاستعادة السلام. وهذا نداء قوي واضح عبّر عنه بيان مشترك صدر عن 21 دولة عربية وإسلامية في 16 يونيو بشأن الصراع الإسرائيلي-الإيراني.
وعند السعي لتحقيق وقف لإطلاق النار، لا بد من إعطاء الأولوية القصوى لضمان سلامة المدنيين، لأن المدنيين الأبرياء هم الضحايا المظلومون في هذا الصراع. ورغم أن المبدأ القائل بأن "حماية المدنيين في الصراعات المسلحة خط أحمر يجب عدم تجاوزه في أي وقت" قد أصبح موضع إجماع لدى المجتمع الدولي، إلا أن ما يحدث في الواقع منذ فترة يثير القلق والآسى، حيث يشهد قطاع غزة واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية، مع تعرض المستشفيات والمدارس وخيام اللاجئين في القطاع لضربات مروعة.
كما ينبغي على الأطراف المعنية في أي صراع بالشرق الأوسط أن تدرك أن الحوار والمفاوضات هما المخرج الوحيد، وأن الحل السياسي هو وحده القادر على ضمان الاستقرار الدائم، إذ لا وجود لحل عسكري للقضايا الشرق أوسطية المعقدة والمتشابكة. ومن هذا المنطق، سواء تعلق الأمر بالقضية النووية الإيرانية أو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن الحل النهائي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الطرق السياسية. وفي ظل الوضع الراهن، فإن أي محاولة لحل الملف النووي الإيراني عبر الخيار العسكري لن تؤدي إلا إلى تأجيج النيران وزيادة الاضطرابات الإقليمية.
لقد أثبتت التجارب التاريخية مرارا أن التفاوض الدبلوماسي هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام حقيقي، وأن الحل السياسي وحده هو الكفيل بضمان ديمومة السلام. ومع ذلك، فقد تم تقويض ما كان قد تحقق من إنجازات، مثل خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن الملف النووي الإيراني عام 2015 التي مثّلت بارقة أمل للعالم، وذلك بسبب الممارسات الأحادية لبعض الدول. ومن ثم، يتوجب على الأطراف المعنية استخلاص الدروس والعبر، والعودة إلى طاولة المفاوضات دون تأخير، بدلا من إثارة الفتنة وتعميق الاستقطاب. وفي هذا السياق، قدمت روسيا والصين وباكستان مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وحماية المدنيين، واحترام القانون الدولي، والانخراط في الحوار والمفاوضات.
"فبدون إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، لن يعم السلام العالم". وفي مواجهة الأزمة الحالية، من الملح جدا أن يحث المجتمع الدولي "العام سام" على التخلي عن منطق المعادلة الصفرية وسياسات الهيمنة والقوة، وأن يدعو إسرائيل وإيران إلى ضبط النفس، والعودة إلى المسار السياسي في أسرع وقت ممكن. لقد حان الوقت لمنح السلام فرصة حقيقية قبل فوات الأوان، وبث الأمل في قلوب الشعوب المتعطشة للاستقرار.