رأي ضيف: 2024... حصاد عام من التعاون الصيني-العربي المشترك

رأي ضيف: 2024... حصاد عام من التعاون الصيني-العربي المشترك

2025-01-13 14:37:15|xhnews

بقلم: رانيا أبو الخير

عام 2024 هو العام الذي شهد مرور عشرين عاما على تأسيس منتدى التعاون الصيني-العربي. وقد عقد المنتدى اجتماعه الوزاري العاشر في العاصمة الصينية بكين في مايو 2024 والذي شهد طرح الصين ما أُطلق عليه "الأطر الخمسة للتعاون"، وهي تلك الأطر التي رسمت مخطط تنمية العلاقات الصينية-العربية، وتمثلت هذه الأطر فيما يأتي: إطار أكثر ديناميكية للابتكار، وإطار موسع للتعاون في الاستثمار والمالية، وإطار متعدد الأوجه للتعاون في مجال الطاقة، وإطار أكثر توازنا للعلاقات الاقتصادية والتجارية متبادلة المنفعة، وإطار أوسع للتبادلات الشعبية.

وقد مثلت هذه الأطر الخمسة مرتكزات العمل في المستقبل منطلقة في الوقت ذاته من النجاحات والإنجازات التي تحققت في مسيرة العلاقات بين الطرفين، إذ حققت الشراكة الثنائية نتائج بارزة في المجالات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والتجارة، والمجالات الحديثة مثل تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة، فضلا عن تعزيز التبادلات الثقافية والتعليمية والسياحية. وتأتي الأطر الخمسة لتؤكد على حرص الجانبين على بذل مزيد من الجهود المشتركة لتسريع بناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك، وبناء نموذج للعلاقات يستند إلى المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والتعلم المتبادل والتقدم المنظور.

وفي ضوء ما سبق، يمكن قراءة حصاد هذا العام بين الجانبين في العديد من المجالات والقطاعات، من أبرزها ما يأتي:

في مجال الطاقة والبنية التحتية، شهد تقدما ملحوظا نحو تكامل أكبر، إذ يذكر أنه في نوفمبر 2024، انطلقت أعمال بناء المرحلة الثانية من مشروع "قولي" المتكامل للتكرير والبتروكيماويات في مجمع قولي للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان بجنوب شرقي الصين. ويعد هذا المشروع نموذجا للتعاون الصيني-العربي في مجال الطاقة، باستثمارات إجمالية تقارب 71.1 مليار يوان (حوالي 9.7 مليار دولار أمريكي). وتشير التقديرات إلى أن قيمة الإنتاج السنوي للمشروع ستصل إلى نحو 80.8 مليار يوان (حوالي 11 مليار دولار). ومن المتوقع بدء تشغيله بكامل طاقته بحلول نهاية عام 2030، حيث سيقدم 5 ملايين طن من المواد الخام لمجمع قولي سنويا، ما سيساعد على تحسين السلسلة الصناعية للمجمع ودفع تنمية الصناعة على نحو متطور وذكي وأخضر.

وقد عزز من التعاون في هذا المجال، ما تم في إطار مبادرة الحزام والطريق، فعلى سبيل المثال وفّر مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري (تيدا) ما يقرب من 9 آلاف فرصة عمل مباشرة وأكثر من 80 ألف فرصة عمل غير مباشرة في مصر. كما ساعد القسم الشرقي من الطريق السريع شرق-غرب في الجزائر، الذي شاركت الشركات الصينية في بنائه، على فتح الشريان الرئيسي للتواصل الاقتصادي في الجزائر. وفي دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، دخلت شركة إلكتريك هاربين الدولية المحدودة الصينية في شراكة مع شركة أكوا باور السعودية لبناء مشروع مجمع حصيان لإنتاج الطاقة بتقنية الفحم النظيف، وهو المشروع الأول من نوعه في الشرق الأوسط. ووفقا للإحصاءات، نفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع كبير في البنية التحتية والطاقة وغيرها من المجالات، واستفاد من نتائج هذه المشاريع ما يقرب من ملياري شخص من كلا الجانبين.

وفي مجال السياحة، بفضل سياسات الإعفاء من التأشيرة للمواطنين الصينيين التي نفذتها عدة دول عربية من بينها المغرب والإمارات وقطر وتونس، إلى جانب فتح خطوط جوية مباشرة بين مدن صينية وكل من الرياض والدوحة والقاهرة وغيرها، عزز ذلك من حركة السياحة الصينية لزيارة الدول العربية.

وفي مجال الفضاء، أحرز الجانبان إنجازات عدة في مجالات تطوير وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، ومشاركة البيانات وتطبيقاتها، فضلا عن التبادل الفني وتدريب المختصين في علوم وتكنولوجيا الأقمار الصناعية. ويذكر على سبيل المثال أن الصين وقعت اتفاقيات تعاون في مجال الفضاء مع دول مثل الجزائر والسودان ومصر والمملكة العربية السعودية، حيث نجحت في إطلاق القمر الصناعي الجزائري للاتصالات (ألكوم سات-1)، والقمرين الصناعيين السعوديين (سات-5A) و(سات-5B)، والقمر الصناعي السوداني للاختبارات العلمية، والقمر الصناعي (مصر سات 2) إلى الفضاء.

وفي مجال التعليم المهني، أنشأت الصين العديد من ورشة لوبان في دول عربية من بينها جيبوتي ومصر والمغرب، حيث تُقدم تدريبات في تخصصات مختلفة تشمل تكامل الهندسة الميكانيكية والإلكترونية وتشغيل السكك الحديدية والطب الصيني التقليدي، بما يتناسب مع إستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية في تلك الدول لتنمية هذه القطاعات.

وفي مجال تعلم اللغة الصينية، شهد هذا العام تزايد شعبية تعلم اللغة الصينية بين الشباب في الدول العربية، وأدرجت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من الدول العربية تعليم اللغة الصينية ضمن برامجها التعليمية الوطنية.

ما سبق هو غيض من فيض التعاون المشترك بين الجانبين، إذ مثلت هذه المجالات وغيرها نقاط رئيسية في مسيرة تنمية التعاون المشترك بينهما، بما تحقق في إطارها من نتائج بارزة ساعدت على البناء المشترك بين الجانبين في إطار مبادرة الحزام والطريق.

وعلى مدى السنوات الـ10 الماضية، اعتبرت الصين الدول العربية شركاء طبيعيين في البناء المشترك لهذه المبادرة، كما اعتبرتها الدول العربية رؤية تنموية حيوية، فحظيت باهتمام كبير واستجابة إيجابية من جانبها.

فقد أصبحت جميع الدول العربية الـ22 الآن شركاء في مبادرة الحزام والطريق، انطلاقا من حجم التوافق الذى يجمع بين مستهدفات المبادرة ومحاورها الرئيسية من ناحية، والاحتياجات التنموية للدول العربية لتعزيز التنويع الاقتصادي والتصنيع من ناحية أخرى. هذا فضلا عن مدي تطابقها بشكل عميق مع إستراتيجيات التنمية طويلة الأجل للدول العربية مثل "رؤية مصر 2030"، و"رؤية 2030" للمملكة العربية السعودية و"الرؤية الوطنية 2030" لدولة قطر، و"مبادئ الخمسين" لدولة الإمارات العربية المتحدة"، و"رؤية الكويت 2035" وغيرها. كما تعد جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية توقع على وثيقة تعاون مع الصين بشأن مبادرة الحزام والطريق.

خلاصة القول إن الصداقة بين الدول تظل رهنا بحجم التقارب بين الشعوب، وهو ما يتطلع إليه الطرفان (الصيني والعربي) مع قدوم عام 2025، المنتظر أن يشهد مواصلة تعاونهما العملي لتعزيز التبادلات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية الثنائية وتعميق الفهم المتبادل والصداقة بين شعبيهما.

ملحوظة المحرر: رانيا أبو الخير هي الأمين العام للمنتدى العالمي للدراسات المستقبلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).

الصور