((أهم الموضوعات الدولية)) مقالة خاصة: التكتيكات والتقنيات الجديدة تثير جدلا وقلقا بعد عام من عملية "طوفان الأقصى"
بكين 7 أكتوبر 2024 (شينخوا) يوافق 7 أكتوبر الجاري الذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشكل مفاجئ ضد إسرائيل وقوبلت برد إسرائيلي قاسٍ أدى حتى الآن إلى مقتل قرابة 42 ألف فلسطيني في قطاع غزة.
وشهدت هذه الجولة من الحرب استخداما واسع النطاق لتكتيكات وتقنيات متقدمة، من أهمها الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي، وهو ما استرعى اهتمام المجتمع الدولي وأثار قلقه. كما دقت سلسلة التفجيرات التي طالت أجهزة الاتصال اللاسلكي (بيجر) ناقوس الخطر من إمكانية اندلاع حرب غير تقليدية تقوم على الهجمات الإلكترونية والعمليات السرية.
ــ الطائرات المسيّرة: سلاح المقاومة الأكثر تأثيرا على إسرائيل
في اليوم الأول من الحرب، استخدم مقاتلون من حماس عددا كبيرا من الطائرات المسيّرة التي قيل إنها طورت محليا، لتدمير أبراج المراقبة والمراكز الحدودية وأبراج الاتصالات التابعة لإسرائيل على حدود غزة، حيث كانت عملية منسقة رصدت فيها حماس بدقة منظومة الدفاع الإسرائيلي وأصابتها بالعمى، الأمر الذي سهّل دخول عدد كبير من المقاتلين إلى الأراضي الإسرائيلية دون وجود أي رد من الجانب الإسرائيلي لمدة.
أما بالنسبة إلى عمليات حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية، فقد لعبت الطائرات المسيّرة دورا كبيرا وهاما في ضرب إسرائيل. ففي يونيو الماضي، بث حزب الله مقطعاً مصوراً مدته حوالي 10 دقائق لما عادت به مسيّرته "الهدهد" حيث تضمن مسحا دقيقا من الجو لمواقع شاسعة في محيط مدينة حيفا شمالي إسرائيل، وأثار ذلك الحدث الذعر في المجتمع الإسرائيلي وكشفت أيضا عن نقاط ضعف لدى الجيش الإسرائيلي في اعتراض الطائرات المسيّرة.
وفي يوليو الماضي، قصفت جماعة الحوثي "أحد الأهداف المهمة" بطائرة مسيّرة في تل أبيب، ليسفر ذلك عن مقتل شخص وإصابة 10 آخرين، وقال الجيش الإسرائيلي حينها إن السبب وراء عدم اعتراض الطائرة كان "خطأً بشريا".
إن تفاوت التكلفة بين صناعة المسيّرات واعتراضها يعد أحد العوامل الهامة التي تجعل هذه الصناعة موضع ترحيب في ساحات الحرب. وكان وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الاستحواذ والاستدامة ويليام لابلانت قد ذكر خلال شهادته أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ في مايو الماضي، "إذا أسقطنا طائرة بدون طيار ذات اتجاه واحد بقيمة 50 ألف دولار بصاروخ بقيمة 3 ملايين دولار، فهذه ليست معادلة تكلفة جيدة".
واتفق المحللون على أن تفوق إسرائيل في التكنولوجيا المتقدمة والاستخبارات لا يعني بالضرورة أنها قادرة على اعتراض كل مسيّرات وصواريخ المقاومة، إذ قال الخبير الصيني في مجال المسيّرات سون يونغ شنغ لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن هذه الجولة من الحرب تسلط الضوء على خصوصيات جديدة للمسيّرات في ساحة الحرب، أبرزها أنه يمكن ربط معدات إلقاء القنابل بالمسيّرة المدنية لتحويلها إلى سلاح، كما يمكن استخدام المسيّرات لتخويف العدو دون مهاجمته مباشرة مثلما فعل حزب الله.
ــ أجهزة الاتصال: استخدامها كسلاح يبعث على القلق
في سبتمبر الماضي، وقعت انفجارات في أجهزة اتصالات يستخدمها عناصر من حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية ومناطق أخرى بلبنان، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى. واتهم حزب الله إسرائيل بالوقوف وراء هذه "الجريمة الجماعية".
هناك آراء مختلفة حول الكيفية التي تم بها تفجير الأجهزة. وأعرب غالبية المحللين عن اعتقادهم بأنه تم إدخال مكونات متفجرة في الأجهزة أثناء عملية التصنيع أو التوريد، الأمر الذي يثير قلقا وخوفا كبيرين في العالم.
كما قال محلل عسكري طلب عدم كشف هويته، خلال مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) إن مثل هذا النوع من الحوادث قد يفتح "صندوق باندورا" الذي يحوي احتمالية اندلاع "حرب سلاسل التوريد" مستقبلا، وهذا يعني أنه بمجرد اندلاع حرب واسعة النطاق، قد تصبح الكثير من الوسائل التي يعتبرها عامة الناس وسائل غير قتالية سلاحا فتاكا.
جدير بالذكر أن تفجيرات البيجر بلبنان لها سابقة وقعت في عام 1996، حينما اغتيل يحيى عيّاش، القيادي بكتائب القسام والخبير بصناعة المتفجرات، بنفس الطريقة. لكن الملفت للنظر في تفجيرات البيجر هو حجم الدمار الذي طال آلاف الأجهزة، وهذا يظهر مدى عمق تدخل الجهة المهاجمة.
وقد أفادت وكالة بلومبرغ بأن "المؤرخين في المستقبل سينظرون إلى هذا الهجوم على أنه مدخل إلى ما يسمى 'عصر الحرب الدقيقة' ". أما صحيفة ((واشنطن بوست)) فذكرت أن الهجوم سلط الضوء على التهديد الكبير الذي تشكله سلاسل التوريد الإلكترونية على الأمن العالمي.
ــ الذكاء الاصطناعي: مثار جدل كبير وانتقادات واسعة
كما أثار استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية بقطاع غزة اهتمام المجتمع الدولي، حيث أشارت تقارير إعلامية إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، بدعم من أنظمة الذكاء الاصطناعي، تسببت في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الفلسطينيين.
على سبيل المثال، أفاد تقرير نشرته صحيفة ((غارديان)) البريطانية بأن إسرائيل قامت بتوظيف نظام الذكاء الاصطناعي "لافندر" الذي وضع قائمة تضم 37 ألف رجل فلسطيني زعم انتماءهم لحركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي. ولفت التقرير إلى أن الهجمات التي نُفذت بعد تحديد الأهداف استخدمت فيها ذخائر غير موجهة تعرف باسم "القنابل الغبية" من أجل تقليل التكاليف، ما أدى إلى تدمير منازل بأكملها وقتل جميع ساكنيها.
ومن جانبها، قالت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في تقرير لها إن استخدام مثل هذه التكنولوجيا يضع تقدير مسائل الحياة أو الموت بين يدي التقنيات الآلية التي ليس لديها أي خصائص إنسانية تذكر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا النوع من التكنولوجيا ليس دقيقا تماما، فقد وجدت الاستخبارات الإسرائيلية أن نتائج "لافندر" كانت دقيقة بنسبة 90% في تحديد انتماء الفرد لحماس أو الجهاد الإسلامي، وبعدها سمح الجيش بالاستخدام الشامل للنظام، وفقا لتقارير إعلامية.
هناك مخاوف شديدة في المجتمع الدولي من أن تكون غزة قد أصبحت مكانا لاختبار الذكاء الاصطناعي في ساحة الحرب، كما أخذ سقوط عدد كبير من المدنيين يثير جدلا كبيرا وانتقادات واسعة، لذلك تتزايد الدعوات المطالبة بضرورة توجه المجتمع الدولي نحو وضع معايير قوية تطالب الأطراف المعنية في الحروب باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول لتفادي وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.