مقالة خاصة: تجارة الجنس الخفية...ثمن دفعته كوريا الجنوبية مقابل تحالفها مع الولايات المتحدة

مقالة خاصة: تجارة الجنس الخفية...ثمن دفعته كوريا الجنوبية مقابل تحالفها مع الولايات المتحدة

2023-05-15 13:52:16|xhnews

سول 14 مايو 2023 (شينخوا) قدمت كوريا الجنوبية مساهمات مالية كبيرة مقابل وجود الجيش الأمريكي على أراضيها، بما في ذلك تكاليف تمركز أفراد القوات الأمريكية في كوريا، وشراء الأسلحة من شركات الدفاع الأمريكية، ومؤخرا تشجيع الشركات الكورية الجنوبية على الاستثمار في البر الرئيسي للولايات المتحدة.

أما التكلفة الباهظة الأخرى فكانت الخدمة الجنسية المقدمة للجنود الأمريكيين المتمركزين هناك، والتي جرى تبريرها بشكل مباشر وغير مباشر.

في الآونة الأخيرة، حققت حوالي 120 امرأة كورية جنوبية، وقعن ضحايا للاستغلال الجنسي في مدن المعسكرات -- المعروفة باسم "جيجيشون" -- المحيطة بالقواعد العسكرية الأمريكية منذ الخمسينيات، نصرا قانونيا كبيرا في الداخل. ومع ذلك، فإن رحلتهن من أجل العدالة لا تزال بعيدة عن الانتهاء حيث يسعين إلى الحصول على اعتراف من الحكومة الأمريكية عن الاستغلال الجنسي الذي عانين منه وتعويضات عن ذلك.

-- تجارة الجنس لغرض التحالف العسكري

في سبتمبر من العام الماضي، أيدت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية الحكم الأصلي الصادر عن محكمة سول العليا والذي أمر الحكومة بتقدم تعويضات للعاملات السابقات بمجال الجنس في جيجيشون وأدان الحكومة بتهمة "تشجيع وتبرير" تجارة الجنس من أجل "تكثيف التحالف العسكري والحصول على العملة الأجنبية".

ومن جانبها قالت آهن- كيم جيونغ-آي، الممثلة المشاركة لمنظمة ((التضامن مع حقوق الإنسان لنساء المتعة داخل قوات الجيش الأمريكي في كوريا))، لوكالة أنباء ((شينخوا)) يوم الجمعة "أولا وقبل كل شيء، كان هذا أول حكم تاريخي يعترف بمسؤولية الدولة عن 'نساء المتعة' اللواتي خدمن الجيش الأمريكي في مدن المعسكرات".

وأشارت آهن- كيم، التي تتألف منظمتها من جماعات مناصرة تدعم حقوق الضحايا وتباشر مسألة التقاضي، إلى أن حياة النساء كانت "أحد جوانب التاريخ الحديث المؤلم لشبه الجزيرة الكورية الذي لم يخبرك به أحد"، وتم النظر فيها رسميا لأول مرة من خلال عملية المحاكمة.

منذ الحرب الكورية (1950-1953) التي انتهت بهدنة، أعطت كوريا الجنوبية الأولوية لتحالفها العسكري مع الولايات المتحدة لضمان أمنها القومي بينما كانت بحاجة ماسة إلى الدولارات الأمريكية لإعادة الإعمار ما بعد الحرب. وأصبح الاستغلال الجنسي وسيلة لتحقيق الغرضين.

"خلال الحرب الكورية، اقترح الجيش الأمريكي أن تقوم حكومة كوريا (الجنوبية) بإنشاء 'مراكز متعة' لاستخدامها حصرا من قبل قوات الأمم المتحدة (بقيادة الولايات المتحدة)"، هكذا كتبت بارك-جيونغ مي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة تشونغبوك الوطنية، في ورقة بحثية صدرت عام 2019 بعنوان "صنع جنود أصحاء (و'نساء المتعة').

وقالت بارك إنه في سنوات ما بعد الحرب، "بقيت 'نساء المتعة' كفئة قانونية، فيما أفسحت 'مراكز المتعة' المجال لوجود نواد وحانات وقاعات رقص" في مدن المعسكرات بجميع أنحاء البلاد، مضيفة أن "القوات الأمريكية في كوريا، في تعاملها بحذر مع مسألة السيطرة المباشرة على 'نساء المتعة' خارج نطاق صلاحياته، اختارت الإشراف على عمل حكومة كورية (الجنوبية) في هذا الصدد، وعهدت إليها بمسؤولية جمع النساء وفحصهن ومعالجتهن".

في السبعينيات، أجرت الحكومة الكورية الجنوبية ما يسمى بـ"حملة تطهير مدن المعسكرات" لتوفير خدمة "نساء متعة" أفضل للجنود الأمريكيين بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في عام 1969 عن خطط لخفض عدد القوات الأمريكية في هذا البلد الآسيوي.

وقال من كان يتولى حينها منصب رئيس مركز شرطة يونغسان في وسط سول، حيث تقع حامية الجيش الأمريكي، في رسالة رسمية إلى "أولئك الذين يعملون في مجال خدمة الجيش الأمريكي" في يونيو 1971 إن بعض العاملات في مجال الجنس فشلن في إرضاء الجنود الأمريكيين. بيد أن رئيس مركز الشرطة "يرى أنكم تقدمون أفضل خدمة للجيش الأمريكي حتى الآن".

ووفقا لوثائق المحكمة المقدمة كأدلة، شجعهم قائد الشرطة على "التأمل في أخطائهم وتصحيحها"، مشددا على أن الأعداء يمكن أن يستغلوا هذه الأخطاء لتقويض الأمن القومي.

وقالت المحكمة العليا إن مدن المعسكرات كان تُدار من أجل "الحفاظ على التحالف العسكري الضروري للأمن القومي" والحصول على العملة الأجنبية من خلال توفير "خدمة ودية" للجنود الأمريكيين.

وكانت الإيرادات المتأتية من هذه "الخدمة الودية" كبيرة. ففي الستينيات، جاء حوالي 25 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لكوريا الجنوبية من تجارة الجنس والشركات ذات الصلة في مدن المعسكرات، وفقا لما قالته وو سون- دوك، مديرة ((صنليت سيسترز))، وهي جماعة مناصرة لنساء جيجيشون، في مقال نُشر عام 2019.

-- إعطاء الأولوية للجنود الأمريكيين

أشيد بالعاملات في مجال الجنس بمدن المعسكرات حيث وُصفن بأنهن "وطنيات يجلبن الدولارات" عندما أخذن دروسا شهرية برعاية حكومة كوريا الجنوبية والجيش الأمريكي لتثقيفهن في أمور الجمال والنظافة وكيفية الحديث بكلمات إنجليزية بسيطة، وفقا لحكم المحكمة.

في الفصول الإلزامية التي حضرها موظفو المراكز الصحية ورؤساء الشرطة ورؤساء المقاطعات في كوريا الجنوبية وضباط الوحدات الطبية العسكرية الأمريكية، أكد المعلمون على أهمية إجراء اختبار الأمراض المنقولة جنسيا مرتين في الأسبوع للعاملات في مجال الجنس لحماية الجنود الأمريكيين.

قالت إحدى المدعيات في الجلسة "لقد حظينا بالمديح وجرى وصفنا بأننا وطنيات، وجلبنا الكثير من الدولارات...حتى لو كنا نعاني من ألم مميت، لا يتم اصطحابنا إلى أي طبيب بل نخضع فقط لاختبار الكشف عن الأمراض المنقولة جنسيا. وقد أُجري اختبار الأمراض المنقولة جنسيا للجنود الأمريكيين بناء على طلب من الجيش الأمريكي، وليس بناء على طلبنا".

وبالنسبة لهؤلاء اللواتي ثبتت إصابتهم بأمراض تناسلية، فقد تم احتجازهن ونقلن إلى مرافق للعلاج الطبي تسمى بـ"منازل القرود"، حيث تلقين جرعات كبيرة من البنسلين وعانين من آلام شديدة خلف نوافذ عليها قضبان.

"لقد كان الجنود الأمريكيون من القاعدة العسكرية الأمريكية يعطون البنسلين للنساء المحتجزات"، هكذا ذكرت بارك سو-مي، الناشطة في دوربانغ، وهو مركز مشورة لنساء جيجيشون، لوكالة أنباء ((شينخوا)) في مقابلة مكتوبة معها، نقلا عن شهادة لإحدى الناجيات قالت فيها إن العديد من زميلاتها توفين أو أصبن بالشلل بسبب الجرعات الزائدة.

وأشارت الناشطة إلى أن الناجيات من صدمة البنسلين لا يزلن يعانين اليوم من صدمة جسدية وعقلية.

ومع امتناع الأطباء المحليين عن إعطاء البنسلين بسبب حوادث الصدمة المتكررة، أرسلت وزارة الصحة الكورية الجنوبية خطابا في فبراير 1978 إلى المدعين العامين، تطلب منهم فيه التحقيق في مثل هذه الحالات بحذر وإعفاء الأطباء الذين اتخذوا إجراءات طارئة، وفقا للخطاب المقدم إلى المحكمة.

أجرى موظفو المركز الصحي الكوري الجنوبي بشكل عشوائي حملة مشتركة مع الجيش الأمريكي في مدن المعسكرات "لمطاردة" النساء اللواتي تجنبن إجراء اختبار الأمراض المنقولة جنسيا أو لا يحملن بطاقات اختبار صالحة.

بالإضافة إلى حملة القمع والاحتجاز وإعطاء البنسلين دون تشخيص الطبيب، كان على العاملات بمجال الجنس أيضا تحمل الضرب والإجهاض القسري ومصادرة أموالهن من قبل كل من القوادين والجنود الأمريكيين.

فقد تواطأ القوادون مع المسؤولين الحكوميين والشرطة، الذين غضوا الطرف وفشلوا في التحقيق في جرائم قتل واعتداء وحبس ارتكبها الجنود الأمريكيون، وفقا للمدعيات.

وقالت إحدى المدعيات "لقد تم التخلي عنا في هذا البلد الذي ولدنا فيه...على الرغم من أنني كنت مراهقة، لم يساعدني أي شخص بالغ...كنت خائفة للغاية وكرهت هذا لدرجة أنني عندما هربت وطلبت المساعدة، تم إخبار القوادين بمكان وجودي حيث ضربوني وباعوني في مكان آخر بعد رفع ديوني".

وذكرت آهن-كيم لـ((شينخوا)) إن المدعيات سيقمن بنقل قضاياهن إلى الولايات المتحدة، واصفة النصر القانوني على حكومة كوريا الجنوبية بأنه "هدية صغيرة" لتعويض الضحايا الناجيات عن معاناتهن طويلة الأمد.

أثناء التحضير للمعركة القانونية في الولايات المتحدة، قدمت منظمة ((التضامن)) تقريرا حول قضية العاملات بمجال الجنس في مدن المعسكرات إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، وفقا لما قالته الرئيسة المشاركة.

وأضافت "إننا نعتزم الآن إحالة هذه القضية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمحاسبة الولايات المتحدة". 

الصور