مقال رأي: " محاربة النار بالنار" ليس ولا يجب أن يكون حلا للأزمة الأوكرانية
مع تزامن الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مع الذكرى السنوية الأولى للصراع الروسي الأوكراني، فإن تسلط الضوء على القضية الأوكرانية أمر لا مفر منه. ولم يُصبح شعار "الوقوف مع أوكرانيا" والبكاء على الشعب الأوكراني إلى حد ما سوى "صلوات وقت الطعام"، تظهر بانتظام في خطابات مجلس حقوق الإنسان، ولاسيما تلك الصادرة عن الدول الغربية.
ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، فقد 8 آلاف على الأقل من غير المقاتلين أرواحهم، وأصيب قرابة 13300 منذ اندلاع الصراع. ولا شك في أن ضحايا الحرب يستحقون تعاطف ودعم العالم بأسره، وأن السلام هو الخيار الوحيد أمامنا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الطريقة التي "يقف بها الغرب مع أوكرانيا" محيرة للغاية. فبدلاً من الدعوة إلى محادثات السلام، أشار وزير الخارجية البريطاني لشؤون الكومنولث والتنمية جيمس كليفرلي بشكل صريح إلى استخدام العقوبات في خطابه خلال الجزء رفيع المستوى من جلسة مجلس حقوق الإنسان. وفي حدث جانبي يتعلق بأوكرانيا، أعادت بعض الدول الغربية التأكيد على دعمها لأوكرانيا "دون النظر عن المدة التي تستغرقها" دون إشارة إلى محادثات السلام، كما لو كانوا يعرضون على أوكرانيا العصي ويطلبون من الأوكرانيين تهدئة غضب الدب من خلال دسها.
والأمر الأكثر إثارة للحيرة هو أن الحماسة المتمثلة في "محاربة النار بالنار" وصلت لدرجة أن داعمي أوكرانيا يعتقدون أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة ليس جلب أوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، ولكن إلى ساحة المعركة للقتال حتى آخر أوكراني.
وبالنسبة لهم، فإن أدنى إشارة إلى الحوار ومحادثات السلام توصف بأنها "مؤيدة لروسيا" و"ناعمة"، بينما أصبح دعم أوكرانيا لخوض حرب لا نهاية لها بمثابة معيار احترام الدولة للديمقراطية وحقوق الإنسان. كما توصف البلدان التي تجرؤ على الإيحاء بخلاف ذلك بشكل تعسفي بأنها "سلطوية" ويجب التنديد بها.
والأسوأ من ذلك، أصبحت العروض السخية للمساعدات العسكرية شرطا أساسيا للدول الغربية "للدفاع عن الديمقراطية والحرية". بينما لا تزال بعض الدول ترتدي قناع تقديم "الدعم غير المميت"، بينما تُطالب آخرون بتقديم المساعدات العسكرية التي "لا حدود" لها. وفي العام الماضي، أنفق الاتحاد الأوروبي 3.6 مليار يورو على أوكرانيا، وأهدرت الولايات المتحدة، وهي من دعاة الحرب الحقيقيين، 31.8 مليار دولار أمريكي من أموال دافعي الضرائب. وقبل شهر، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أوكرانيا، وأحضرت للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حزمة مساعدات جديدة بقيمة 450 مليون يورو، وكأنها لا تُدرك أضرار الأسلحة والحرب.
وبالنسبة للعديد من البلدان، لم يكن 2022 عاما سهلا. تعتمد أوكرانيا التي أصيب اقتصادها بالشلل، وانهار تمويلها، وعانت من نقص في القوى العاملة، على المساعدات الغربية. وفي الوقت نفسه، عانت روسيا بشدة من العقوبات الشديدة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما واجهت الولايات المتحدة معضلة الاستمرار في تحمل العبء الثقيل بشكل لا يطاق، والمتمثل في مساعدة أوكرانيا، أو عدم الوفاء بوعدها. وفي نفس الوقت، أصبحت أوروبا ساحة معركة مرة أخرى بعد أكثر من 7 عقود من الحرب العالمية الثانية، مع ارتفاع أسعار الطاقة وهروب رؤوس الأموال والاستياء العام.
وجدير بالذكر أن "محاربة النار بالنار" ليس حلا للأزمة الأوكرانية، ولا ينبغي أن يكون كذلك. وإلا، فلماذا تُجمع الإنسانية على طاولات المفاوضات وتؤسس آليات ومبادرات دولية داعمة للحوار؟ نحن نعيش في عصر مليء بالتحديات، ولكنه مليء بالأمل أيضا. استمرت الحضارة الإنسانية لمدة 10 آلاف عام. لا شك في أن هناك طريقة أكثر حكمة لتحقيق سلام دائم في العالم.
ملاحظة المحرر: شين بينغ، معلق في الشؤون الدولية، يكتب بانتظام لـ((سي جي تي إن))، و((جالوبال تايمز))، ووكالة أنباء (شينخوا)) وغيرها. ويمكن الاتصال به على xinping604@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وكالة أنباء ((شينخوا)).