(نبض اقتصاد) مقالة خاصة: نجاح غير مسبوق لمعرض الحضارة المصرية القديمة في شانغهاي.. فصل جديد من التبادلات الثقافية الصينية-المصرية

(نبض اقتصاد) مقالة خاصة: نجاح غير مسبوق لمعرض الحضارة المصرية القديمة في شانغهاي.. فصل جديد من التبادلات الثقافية الصينية-المصرية

2025-09-18 14:48:45|xhnews

بكين 18 سبتمبر 2025 (شينخوا) على الرغم من إسدال ستار الختام عليه قبل شهر، ما يزال معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة" يتربع على صدارة اهتمامات الأثريين الصينيين ويسطع في ذاكرة عشّاق الكنوز المصرية في الصين، حتى غدت الصحافة الصينية تصفه بـ"الحدث الملحمي".

أقيم المعرض في متحف شانغهاي على مدى ثلاثة عشر شهراً متواصلة، عُرضت خلاله 788 قطعة من الآثار المصرية القديمة، ٩٥ في المائة منها جاءت إلى آسيا لأول مرة.

-- حدث ثقافي ملحمي

حقق معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة" إقبالا غير مسبوق، مسجلا أرقاما قياسية. فقد استقطب حوالي 2.77 مليون زائر، وحقق إيرادات تجاوزت 760 مليون يوان (اليوان الواحد يساوي نحو 7.1 دولار أمريكي)، كما سجّل أكثر من 30 مليار متابعة وتفاعل عبر الإنترنت.

وبالتالي، فإن هذا المعرض، الذي تطلب دخوله حجز تذكرة وتمحور حول موضوع واحد، أثبت نفسه كأحد أعظم المعارض في تاريخ المتاحف الحديثة، سواء من حيث عدد الزوار أو حجم الإيرادات أو مدى الوصول إلى المعرض عبر المنصات الرقمية.

وعند تعليقه على ذلك، أفاد موقع "شانغهاي أوبزرفر" الرسمي في تقرير بأن هذه الوليمة الثقافية الوافرة لم تكن ظاهرة ثقافية فريدة فحسب، بل أيضا"حدث ثقافي ملحمي".

ومن جانبه، قال تشو شياو بو، مدير متحف شانغهاي، في حديثه للصحافة إنه على مدار أكثر من 340 يوما فُتح خلالها المعرض لاستقبال الزوار، توافد عليه أكثر من 8000 زائر يوميا في المتوسط، فيما استقبل المعرض يوم 16 أغسطس وحده 23149 زائرا خلال فترة فتحه على مدى الـ24 ساعة في ذلك اليوم، وهو رقم لم يسبق أن سجله المتحف من قبل.

ولدى حديثه عن مدى إقبال الجماهير على المعرض، أشار إلى أنه حتى في عيد منتصف الخريف التقليدي الصيني الذي شهد أعاصير ممطرة، حضر أكثر من 4000 زائر للتعرف على المعرض وفعالياته.

ولتلبية الطلب الكبير على التذاكر التي كان من الصعب حجزها نتيجة الإقبال الشديد، خصص متحف شانغهاي 220 فترة عرض ليلية أو خاصة. وفي الأسبوع الأخير، أُبقي المعرض مفتوحا على مدار الساعة طوال 7 أيام متواصلة، مسجلا رقما قياسيا عالميا بفترة فتح مستمرة بلغت 168 ساعة. وتم بيع جميع التذاكر البالغ عددها 3000 تذكرة لكل فترة من هذه الأيام بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحا. وكان من بين الزوار أطفال من دور الحضانة ورجل مسن يبلغ من العمر 84 عاما.

ووفقا للإحصاءات المتخصصة، شكّل الزوار القادمون من خارج مدينة شانغهاي نحو 70 في المائة من إجمالي الزوار، منهم أكثر من 70 في المائة حضروا خصيصا لمشاهدة المعرض. وتضمنت إيرادات المعرض الإجمالية، التي تجاوزت قيمتها 760 مليون يوان، أكثر من 320 مليون يوان من تذاكر الدخول وما يزيد على 440 مليون يوان من المبيعات المتعلقة بالمنتجات والأنشطة الإبداعية، ما ساهم في تعزيز الإنفاق الكلي في شانغهاي، إحدى كبريات المدن جنوب الصين، بأكثر من 35 مليار يوان، لتشكّل بذلك معيارا جديدا لتعميق التكامل بين السياحة والثقافة والتجارة والرياضة والمعارض.

وعلى صعيد متصل، أسهم المعرض في زيادة عدد السياح الصينيين الوافدين إلى مصر بنسبة 65 في المائة، وفقا لما أعلنته وزارة السياحة والآثار المصرية.

-- ما وراء نجاح المعرض الفريد

انكبّ المراقبون الاقتصاديون الصينيون على دراسة أسباب النجاح اللافت الذي حققه هذا المعرض التاريخي الفريد، واستخلصوا ثلاثة عناصر جوهرية في هذا الصدد:

أولا: قيمة القطع الأثرية المصرية الاستثنائية. فقد أثبت معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة" أن بناء علامة ثقافية فائقة القوة يتطلب جوهرا متينا من القيم والمحتوى. كما كسر المعرض لأول مرة احتكار الأوساط الأكاديمية الغربية لدراسة المصريات، حيث تم تصميمه وتنظيمه بشكل مستقل من الجانب الصيني، وعرض الحضارة المصرية القديمة من منظور صيني، ليُظهر "التناغم في الاختلاف والجمال في التماثل" بين الحضارتين العريقتين. كما سلّط المعرض الضوء على أحدث وأهم نتائج التعاون الأثري بين الصين ومصر، بما في ذلك الآثار المكتشفة في سقارة، ليستحق حقا وصفه بـ"معرض يستوقف أنظار العالم".

ثانيا: عمق الود والعلاقات الوثيقة بين الشعبين الصيني والمصري. فقد عزا حسن رجب، عميد كلية الألسن ومدير معهد كونفوشيوس بجامعة قناة السويس، الإقبال الكبير للزوار الصينيين على المعرض إلى سحر الثقافة الشرقية الذي يجمع بين شعبي البلدين، مؤكدا أن الحضارتين، الصينية والمصرية، حضارتان عريقتان ضاربتان بجذورهما في أعماق التاريخ.

وفي المؤتمر الصحفي الختامي للمعرض الذي عقد يوم 17 أغسطس، قالت هاجر عبد الجواد، أمين متحف الإسكندرية القومي بمصر، إن عرض متحف شانغهاي لهذه المجموعة من القطع الأثرية المصرية لم يربط فقط بين الحضارتين العريقتين، بل جسد أيضا قيمنا المشتركة المتمثلة في احترام التاريخ وطلب المعرفة وتقدير الإبداع البشري.

ثالثا: أساليب مبتكرة متعددة للترويج. فقد تمكّن المعرض من جذب الاهتمام على الساحة الاجتماعية من خلال التركيز على المواضيع الرائجة، حيث تحوّلت فعالية "ليلة القطط الغريبة في المتحف" إلى إحدى أبرز الفعاليات الجماهيرية اللافتة. ولم يقتصر أثر هذه الفعالية على تحقيق صدى واسع على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل نجحت أيضا في ربط رمز الآلهة القطة "باستت"، أحد أشهر رموز الآلهة المصرية القديمة، بأنماط الحياة المعاصرة بطريقة حية وجذابة.

كما قدم المعرض فعالية قائمة على الواقع الافتراضي بعنوان "عودة إلى مصر القديمة"، بالإضافة إلى شاشات عرض محيطي توفر إحساسا بالانغماس الكامل وتعزز شعور الزوار بالمشاركة الميدانية والتفاعل المباشر. وساهمت كل من التسجيلات الصوتية الإرشادية وفعالية الواقع الافتراضي في تمكين الزوار من فهم الحضارة المصرية القديمة عبر أساليب متنوعة تناسب مختلف الفئات، سواء كانت مجموعات عائلية، أو فرقا مدرسية، أو باحثين أكاديميين.

علاوة على ذلك، طرح متحف شانغهاي خلال المعرض أكثر من 1200 منتج ثقافي وفني، محققا مبيعات تجاوزت ثلاثة ملايين قطعة، بما أسهم في تحقيق إيرادات مالية ضخمة.

-- آفاق جديدة للتبادلات الثقافية

في هذا السياق، أعربت هاجر عبد الجواد عن امتنانها للحكومة الصينية ومتحف شانغهاي، واصفة المعرض بأنه رمز مهم للصداقة والتعاون بين الصين ومصر. وأكدت أن اختتام المعرض ليس نهاية، بل بداية جديدة، لأن مصر والصين ستعمقان تعاونهما في مجالات المعارض والأبحاث الأكاديمية والتدريب والإبداع، بما يعزز أواصر الصداقة بين الحضارتين ويطلق مشاريع تعاونية جديدة في المستقبل.

كما أُعلن في المؤتمر الصحفي أن متحف شانغهاي، استنادا إلى هذا النجاح، سيتعاون هذا العام مع المجلس الأعلى للآثار المصرية لإجراء أعمال تنقيب وبحث في منطقة ممفيس، أول عاصمة لمصر القديمة، بهدف تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين وإبراز تقدم الصين في مجال علم الآثار على الساحة العالمية. وتُعد هذه أول مشاركة معمقة لفريق تنقيب صيني في إحدى أقدم وأهم المناطق الأثرية بمصر، وهو تعاون تاريخي آخر في مجال التراث الثقافي بعد معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة".

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه أثناء تحضيره للمعرض، شرع متحف شانغهاي في القيام بدراسة جدوى لإجراء أعمال تنقيب مشتركة على أرض الكنانة، وقد حصل مؤخرا على موافقة المجلس الأعلى للآثار المصرية والجهات ذات الصلة، ما مكّنه من تمهيد الطريق لبدء أعمال التنقيب في المنطقة الأثرية.

وفي هذا المشروع المشترك، يعتزم فريق متعدد التخصصات بقيادة تشن جيه، نائب مدير متحف شانغهاي، التوجه إلى ممفيس في أكتوبر المقبل، حيث ستستمر أعمال التنقيب الأولى لمدة شهرين، بهدف تعزيز فهم كيفية تشكّل وتطور تلك الحقبة السحيقة من الحضارة المصرية القديمة، وذلك من خلال أعمال المسوحات والتنقيب. وسيعمل متحف شانغهاي بالتعاون مع الفريق الوطني المصري للآثار على دمج أعمال التنقيب هذه مع أنشطة المعارض وأعمال تطوير المتاحف، لتدشين نمط تعاوني جديد.

وتعليقا على ذلك، قال تشن جيه "لا يزال هناك الكثير من الأسرار غير المكتشفة في منطقة ممفيس، وإن المشاركة في التنقيب في مثل هذا الموقع الأثري تمثل فرصة غير مسبوقة للعلماء الصينيين في مجال الآثار. فهذا لا يدل فقط على ثقة في قدراتنا الأكاديمية، بل يعد أيضا دليل على الصداقة الطويلة التي تجمع بين بلدينا". 

الصور