مقالة خاصة: للعام الثالث على التوالي.. الحرب تحرم طلاب غزة من التعليم
غزة أول سبتمبر 2025 (شينخوا) أيام قليلة تفصل الطلاب الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية عن العودة إلى فصولهم الدراسية المقررة في الثامن من سبتمبر الجاري، غير أن طلاب قطاع غزة لا يزالون، وللعام الثالث على التوالي، محرومين من هذا الحق الأساسي، في ظل استمرار الحرب التي دمرت مئات المدارس وعطلت العملية التعليمية بشكل كامل.
في مخيم للنازحين بمدينة دير البلح وسط القطاع، جلست الطفلة مرام شبير (12 عاما) بجوار حقيبتها المدرسية القديمة المغطاة بالغبار، تراقب الرسومات المنتشرة عليها.
وقالت بصوت خافت لوكالة أنباء ((شينخوا)) في مثل هذه الأوقات، كنت أذهب مع والدتي كل عام لشراء دفاتر وأقلام جديدة للتحضير للعودة إلى مقاعدنا الدراسية، ولكن منذ ثلاث سنوات لم نشتر أي شيء.
وتابعت للأسف الآن لا أرى سوى الخيمة، أحيانا أكتب على أوراق قديمة حتى لا أنسى ما تعلمته في المدرسة قبيل الحرب، لكنني أشعر أنني بدأت أنسى كثيرا من دروسي وأخشى أن يتلاشى مستقبلي يوما بعد يوم.
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لأحمد عبد العال (15 عاما)، وهو طالب في الصف العاشر من دير البلح حُرم من حياته المدرسية.
ويقول عبد العال لـ((شينخوا)) كان حلمي أن أصبح مهندسا وأبني منزلا لعائلتي، لكن كل شيء توقف، منذ بداية الحرب لم نتمكن من الذهاب إلى المدرسة. بعض أصدقائي قتلوا وآخرون شردوا ولم أرهم منذ شهور.
وفي محاولة منه كي لا ينسى ما تعلمه، يضيف عبد العال : أراجع دروسي القديمة أحيانا، لكنني أتساءل إذا مرت سنوات أخرى دون دراسة، فماذا سأصبح؟ شابا بلا "علم أو شهادة".
أما بيان أبو ريا، وهي طفلة نازحة تبلغ من العمر تسع سنوات وتقيم حاليا في خيمة بمدينة خان يونس جنوب القطاع، فتقول لـ((شينخوا)) إنها تفتقد المعلمين والأصدقاء وساحة المدرسة .
وتضيف: نحاول أحيانا الكتابة على الدفاتر القليلة التي قدمتها لنا الجمعيات الخيرية، لكنني أنسى الحروف وأكتبها بشكل خاطئ، طلبت من والدتي مساعدتي لكنها لا تعرف كيف، أريد أن أحمل حقيبتي وأحل واجباتي مثل بقية الأطفال.
وتجسد هذه الشهادات محنة أكثر من 660 ألف طالب في غزة ما زالوا خارج مقاعد الدراسة، حيث تستمر الحرب منذ أكتوبر 2023، حيث تم تدمير البنية التحتية التعليمية وتحويل معظم المدارس إلى ملاجئ للنازحين، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وفي بيان حديث، حذرت الأونروا من أن غزة "تخاطر بفقدان جيل كامل من الأطفال"، مؤكدة أن "الحرب في غزة هي حرب على الأطفال ويجب أن تتوقف".
وأشارت الوكالة إلى أن كثيرا من الأطفال الذين بدأوا الحرب في رياض الأطفال كان من المفترض أن يلتحقوا بالصف الثاني هذا العام، لكنهم لم يتعلموا القراءة أو الكتابة حتى الآن.
وتظهر بيانات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في رام الله حجم الكارثة، إذ تفيد بأن أكثر من 17 ألف طالب مدرسي و1261 طالبا جامعيا قتلوا منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 26 أغسطس الجاري، فيما أصيب عشرات الآلاف، كما قتل مئات المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية.
وأكدت الوزارة أن نحو 90 % من مدارس غزة دمرت أو تضررت بشكل بالغ، بينما تحولت مدارس أخرى إلى ملاجئ، ما جعلها غير صالحة للاستخدام التعليمي.
في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، قال أبو محمد الحواش، وهو أب لخمسة أطفال، إن ما يجري "يشكل كارثة حقيقية".
وأضاف: "دمرت الحرب المدارس والجامعات وقتلت الطلاب والمعلمين، لدينا الآن حوالي 660 ألف طالب بلا تعليم، بعضهم لم يتمكن من اجتياز الثانوية العامة، وآخرون لم يدخلوا الصف الأول الابتدائي، أخشى أن يكبر أطفالي دون أن يعرفوا القراءة والكتابة".
ويبذل بعض المعلمين النازحين جهودا فردية للتخفيف من آثار الانقطاع عن الدراسة، حيث قالت سعاد العوضي، معلمة لغة عربية تبلغ من العمر (35 عاما) وتقيم في خيمة بخان يونس، إنها تجمع الأطفال لتعليمهم أساسيات القراءة والكتابة بوسائل بدائية.
وأوضحت لوكالة أنباء ((شينخوا)): "أحيانا نكتب الحروف على الرمال أو على أوراق ممزقة، وأكرر عليهم الكلمات البسيطة حتى لا ينسوها تماما، لكن هذا لا يغني عن التعليم المنظم، يحتاج الأطفال إلى مدارس حقيقية وفصول ودروس".
وأضافت العوضي أن بعض الأطفال الذين تدرسهم كان من المفترض أن يلتحقوا بالصف الأول هذا العام، لكنهم يكافحون للتأقلم مع الحياة في الخيام.
وتابعت: "إذا استمر هذا الوضع لسنوات، فسنواجه جيلا لا يجيد القراءة أو الكتابة بشكل صحيح، صدمة الحرب تعقد التعلم أكثر، وبعض الأطفال لا يستطيعون التركيز بسبب فقدان أقاربهم أو مشاهدة منازلهم وهي تدمر".
وأكدت المعلمة أن المعلمين أنفسهم يعيشون تحت ضغوط قاسية بعد مقتل مئات من زملائهم ونزوح الكثيرين، لكنها شددت على أنها ستواصل ما أمكن من جهود تعليمية.
وقالت: "عندما يتذكر الطفل كيفية كتابة كلمة أو نطق حرف، أشعر أننا نقاوم اليأس، لكن الجميع يعلم أن الدروس على الرمال ليست بديلا عن التعليم السليم".